رام الله – رامي سمارة
محمد صدقة (40 عاما) من بلدة عنزة جنوب غرب جنين، كان يفكر ببناء مخازن يعلوها بيت، بمساحة 130 مترا مربعا لكل طابق، لكنه عدل عن الفكرة، فيما توقف أحمد الخطيب (31 عاما) من قفين جنوب غرب طولكرم، عن استكمال بناء منزله بعدما أنهى قواعده، وأرجأ مروان أبو حمدية (28 عاما) من مدينة الخليل، تنفيذ خطته لإضافة شقة سكنية فوق بناية تمتلكها عائلته.
اتفق ثلاثتهم على التوقف عن بناء مساكنهم، بسبب الارتفاع الذي طرأ على أسعار الحديد في فلسطين، وتوافقوا أيضا على أن يستكملوا البناء بعد عودة هذا الصنف إلى سعره المعهود.
محمد حصل على قرض بنكي بقيمة 80 ألف شيقل وأعاده، لأنه لن يكفي لاستكمال البناء إذا ما اشترى الحديد بالسعر الجديد، وأحمد قد يضطر لاستئجار منزل في القرية أو محيطها لأنه يقيم حاليا في منزل شقيقه الذي سيقيم حفل زفافه بعد شهرين، ومروان قام بحسبة بسيطة ووجد أن فرقية سعر الحديد إذا ما انتظر هبوط السعر يمكن أن تدفع كأجر لعامل البناء مثلا.
الأسواق العالمية شهدت ارتفاعات متتالية في أسعار الحديد منذ عدة أسابيع، لأسباب ترتبط بفيروس “كورونا”، وقفزت أسعار حديد الخردة بنسبة لا تقل عن 35%، كما ارتفعت أسعار الشحن عالميا بنسبة تتجاوز 60% مع محدودية عمل الموانئ بفعل الإغلاقات التي فرضتها الجائحة.
يضاف إلى ذلك، زيادة الطلب على هذا المعدن بعد قرار الصين تخفيض الإنتاج في مسعى للحد من انبعاثات المصانع وتلوث البيئة.
كما طرأ ارتفاع على أسعار جميع السلع ومن بينها خام الحديد في البورصات العالمية، نتيجة زيادة معدلات التضخم، فضلا عن القفزات المتتالية التي سجلتها أسعار النقل والشحن البحري.
التاجر يعقوب حسونة، قال: أسواق الحديد تشهد حالة إرباك عالمية، وليس الامر مقتصرا على السوق المحلية، إذ ترتبط الحالة بتراجع كمية الإنتاج نتيجة لعدم استقرار الأسواق بفعل “كورونا”، وفي ظل غياب البرامج الواضحة للمنتجين والمستهلكين على حدٍ سواء، والخلل الذي لحق بمعادلة العرض والطلب على هذا المعدن، ويضاف إلى ذلك عوامل الخلل اللوجستي، كالإبطاء في حركة تخليص البضائع، التي شهدتها الموانئ والتي تكبد التجار والمستوردين تكاليف إضافية.
وأضاف حسونة، الذي يدير شركة الائتلاف الفلسطيني لصناعة الحديد، ان “ارتفاع أسعار الحديد لم يعتمد على قلة الطلب، فالعرض كان أيضا متواضعا بسبب حالة الإرباك التي شهدتها الأسواق العالمية، ولكن الأسعار تحكم فيها الاضطراب، الذي طرأ على الدورة الصناعية بنسبة وصلت إلى 30%”.
وبين أن استئناف الطلب والشراء بشكل طبيعي وعودة عجلة الإنتاج إلى سابق عهدها سيقود إلى تعافي الأسواق وعودة الأسعار إلى الاستقرار.
وتابع: ان التحديث على أسعار المعادن يتم بشكل يومي حتى في فلسطين، التي يباع فيها الحديد بسعر أقل بـ17% من الأسواق الإسرائيلية، وبثمن أقل من سعره في السعودية والإمارات والأردن ومصر، وشدد على أن الحديد في فلسطين يسلم للتجار بسعر لا يتجاوز 3000 شيقل للطن الواحد.
وتشير احصائيات لوزارة الاقتصاد الوطني، إلى أن الواردات من الحديد الصلب في فلسطين بلغت قيمتها 259 مليون دولار أميركي للعام 2019.
محمد الوهر تاجر من بلدة بلعا بطولكرم، بيّن أن تركيا تعتبر المورد الرئيسي لهذا المعدن في فلسطين، ويصل سعر الطن فيها إلى 840 دولارا تقريبا، في حين يصل سعر الطن في الصين إلى 980 دولارا، ورغم ذلك وصل الحديد في فلسطين إلى أسعار قياسية.
الوهر أحد المستوردين الرئيسيين للحديد في فلسطين، اعتبر أن الأسعار الحالية مبالغ فيها، خاصة بعد أن قفز سعر الطن عن حاجز 3500 شيقل، ورغم ذلك لا يمكن لأي كان أن يتوقع انخفاض الأسعار أو ارتفاعها من جديد.
وقال: “الأسبوع المنصرم، توقع الجميع أن ينخفض سعر الحديد، إلا أن الطن الواحد ارتفع بنسبة وصلت إلى نحو 4%، الحديد سلعة غالية ويتم التعامل معها بحذر من قبل التجار والمستهلكين، والبعض يخشى أن يشتري في الوقت الراهن كميات من هذه السلعة بالسعر الجديد، خوفا من انخفاضه مرة أخرى”.
ربحي الحجة المستثمر العقاري، أكد أن التأثير قصير المدى لارتفاع أسعار حديد البناء يمكن أن يطال هامش المرابح في بعض العقارات، فغالبا ما يلتزم المستثمرون أخلاقيا بأسعار الشقق أو المحال التجارية التي يتم الإعلان عنها عند بداية المشروع، خاصة أن غالبيتها يباع على المخطط أي قبل البدء بعمليات الإنشاء.
وقال: “في تلك الحالة، يتم خصم الزيادة التي تطرأ على أسعار المدخلات من نسبة أرباح المستثمر، وغالبا يتم الاتفاق مع التجار والمستوردين على شراء الكميات اللازمة من المواد الأساسية كالحديد والإسمنت، بعد الانتهاء من وضع المخططات، أي بسعر واحد وواضح”.
وبيّن أنه كمستثمر قد يضطر للتفكير في زيادة الأسعار على الشقق أو المحال التجارية، إذا بقي سعر الحديد على حاله أو واصل الارتفاع خلال الستة أشهر المقبلة.
وأضاف: “في الأشهر الثلاثة المقبلة لن يطرأ تغيّر على الأسعار المتعارف عليها حتى لو بقي سعر الحديد على حاله أو طرأت عليه زيادة طفيفة، إلا أن المستهلك سيتحمل فرق الأسعار، الذي يطرأ على المواد الأساسية بعد تلك الفترة”.
وأشار إلى أنه يتوقع ارتفاعا بنسبة 3-4% على سعر العقارات ليس أكثر.
رئيس اتحاد المطورين الفلسطينيين علاء أبو عين، ينتظر أن ترتفع أسعار العقارات بنسبة تتراوح بين 10-15% في الأشهر القليلة المقبلة، تبعا لارتفاع أسعار الحديد الذي يعد أحد المدخلات الرئيسية في عملية البناء ويشكل ما نسبته 35% من تكلفة البناء العظم.
وقال: “من غير المتوقع أن يطرأ تغيّر على سعر العقارات على المدى القريب، خاصة أن المطورين ينتظرون أن تعود الأسعار إلى سابق عهدها، لكن فترة الانتظار هذه لن تدوم لأكثر من ستة أشهر، وبعدها سيلمس المستهلك اختلافا في الأسعار، إذا لم يطرأ انخفاض على أسعار الحديد في السوق العالمية”.
وأضاف: “المطورون العقاريون الدائمون الذين يعتمدون على الاستثمارات في هذا المجال كمهنة ومصدر دخل، سيتحتم عليهم تطوير أو تعديل أسعار العقارات، انعكاسا لارتفاع أسعار مدخلات البناء، كالحديد الذي وصل سعر الطن الواحد منه إلى 3600 شيقل، أو لندرة العمالة، التي تتركز في أراضي الـ1948”.
ويشير تجار الحديد ومستوردوه إلى أن الارتفاع في سعر الحديد لم يقتصر على حديد التسليح أو المخصص للبناء، وإنما طال الحديد المصفح الذي يستخدمه الحدادون في ورشهم.
والنوع الآخر من الحديد، الذي ارتفع بنسبة وصلت إلى 70%، دفع الشاب مجيد غنام (34 عاما) للتفكير في إغلاق محددته في مخيم الجلزون شمال رام الله.
وأكد غنام أن الأشهر الثلاثة الأخيرة شهدت تراجعا في العمل بشكل كبير، وقرر الكثير من الزبائن تأجيل أو إلغاء أعمال كانوا اتفقوا على تنفيذها بسبب السعر الجديد لسعر الحديد المصفح.
وأضاف: خلال الأسبوعين الأخيرين، قمت بتسعير أربع ورش في أماكن مختلفة من الضفة، والمحصلة واحدة. “لا شكرا لم نعد بحاجة إلى حداد. ألغينا المشروع”.