عرفات “الإنسان”

طولكرم – هدى حبايب

تحتفظ المواطنة ماجدة الكاتب بالكثير من الصور الفوتوغرافية التي تجمعها وعائلتها مع الشهيد ياسر عرفات “أبو عمار”، ومع كل واحدة منها تسترجع ذكريات لن تنساها، لأنها وثقت أصدق اللحظات والمواقف العفوية مع الفدائي الأول والقائد الشجاع، حامل راية الوطن من أجل حرية فلسطين.

تقول: إنها جمعت هذه الصور خلال لقاءاتها مع أبو عمار، الذي تعرفت إليه أواخر السبعينات حيث كانت ترافق زوجها محمد حمزة عواد الذي كان أحد كوادر حركة فتح، وعمل مراسلا ومحررا في وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية “وفا” في لبنان وتونس والأردن.

عندما كانت تلتقيه كانت ماجدة تطلب من المصور التقاط صورة لها مع أبو عمار، حتى تجمعت لديها مجموعة من الصور تتحدث عنها لعائلتها وجيرانها وأصدقائها.

ورغم مرور (17 عاما) مرت على رحيل القائد الشهيد ياسر عرفات، ما زالت مواقفه في ذاكرة ماجدة (75 عاما)، التي تقول إنه ترك مواقف كثيرة من إنسانية واجتماعية ونضالية وحتى شخصية، وما زال من عايشه يحتفظ بتفاصيلها.

ووصفت ماجدة الشهيد أبو عمار قائلة: “عرفناه وعرفه شعبه والعالم رجلا شجاعا، لا يهاب الموت أبدا، رجل الأزمات، قائدا عسكريا وسياسيا محنكا، عبقريا ذكيا، وحنونا متواضعا وكريما، متشددا في مواقفه الوطنية، ويرفض التنازل عنها حتى لو خسر حياته”.

تحدثت ماجدة المكناة بـ “أم الوفا” في حديث خاص لمراسلة “وفا”، عن بعض المحطات الإنسانية من حياة أبو عمار في ذكرى استشهاده، مشيرة إلى أنه كان حنونا على الكبار والصغار، ويحب الأطفال بدرجة كبيرة جدا، كان يطعمهم بيده.

واستذكرت موقفا حصل مع ابنها “وفا”، الذي ضربه والده عندما كان طفلا، حيث ذهب باكيا يشتكيه إلى أبو عمار، فما كان من الرئيس إلا أن لاحق أبو الوفا بالعصا مازحا، ليرسم الابتسامة على وجه طفلي.

وتسرد ماجدة موقفا آخر حصل أمامها، عندما رأى أبو عمار طفلا يرتدي حذاء برباط طويل، فما كان منه إلا أن انحنى إلى الأرض وقام بعقد الرباط له، وطبع قبلة على رأسه.

تشير ماجدة إلى أن أبو عمار كان يرفض أن يأكل قبل مرافقيه أو من حوله، ويطلب تقديم الطعام لهم أولا، وكان يفضل شوربة العدس.

تقول “كنت أعد الشوربة له في بعض الأحيان عندما كنا في تونس، كما كنت أعد الوجبات له عندما يمرض، وفي شهر رمضان المبارك، ولكن كان أكله ضعيفا، كما كان لا يخلد إلى النوم قبل أن يتفقد الجميع، ويطمئن عليهم ويغطيهم، لديه شعور بآلام واحتياجات الناس، لم يكن يرد طلبا لأحد، بل يسارع إلى تلبيته بسرعة”.

وتستذكر ماجدة “في إحدى المرات كنا في تونس، كنت أنتظر زوجي حتى انتهاء عمله مع الرئيس خارج المبنى للذهاب في إجازة، حيث تفاجأت بخروجهما معا، وسارا بالموكب مسافة قصيرة، ثم نزل أبو عمار من السيارة وسار نحوي معتذرا آسف يا بنتي كان لدي عمل كتير أخدت إجازتكم، وسأعوضها لكم”.

وفي موقف مماثل حصل أثناء زيارته لطولكرم لافتتاح مستشفى الشهيد ثابت ثابت، حيث ترجل من سيارته عندما رآها ليسلم عليها وهو يسأل عن حالها وحال أولادها، وعندما قدموا له طعام الغذاء أرسل مدير مكتبه ليحضرها لتناول الطعام معهم.

ووصفت أم الوفا ياسر عرفات بأنه رجل الأزمات والمواقف الصعبة، لافتة إلى أنه لم تكن تمر عليه مشكلة خلال الثورة الفلسطينية إلا ويحلها بالحكمة السياسية.

وتضيف: “لمست من خلال عملنا معه حبه الشديد للعمل الذي جعله يقدس الوقت ويرفض التهاون فيه حتى في أوقات نومه واستراحته، كما أنه دائم القراءة والمطالعة، يقرأ القرآن الكريم، ويطالع كل شيء، دائم الزيارة لمكتب “وفا” ليلا ونهارا، والاطلاع على آخر الأخبار والمستجدات”، وفي نفس الوقت يرفض حدوث الأخطاء ويعاقب مرتكبيها.

وتؤكد ماجدة، أن أبو عمار كان يتنقل بكل المواقع وفي كل الظروف، وحركاته سريعة ولديه حس أمني، ويعرف مواطن الخطر ويغادرها بسرعة، ما يشير إلى أنه رجل شجاع، مضيفة: “لم أر في حياتي رجلا بشجاعته وهيبته”.

تنهي “أم الوفا” حديثها “مهما تحدثت عن القائد الإنسان ياسر عرفات، لا يمكن أن أوفيه حقه، فقد عاش شجاعا واستشهد بطلا مدافعا عن شعبه وأرضه ووطنه، ونحن على طريقه نعمل من أجل تحرير وطننا ورفع العلم الفلسطيني فوق مآذن وكنائس القدس كما أوصى وتمنى”.