وفا – بسام أبو الرب
في الثاني من آب عام 2003، خطا الأسير المحرر يحيى الزبيدي (42 عاما)، من مخيم جنين، خطوات معدودة الى خارج سجن “شطة” الاحتلالي، نحو سجن “جلبوع” الذي لا يبعد سوى أمتار عنه، عندما اقتادته إدارة سجون الاحتلال الإسرائيلي هو و39 أسيرا آخرين.
وقتها كانت البدايات لافتتاح سجن آخر امتدادا لسجن “شطة” بأقسام (13-14)، ذو تحصينات أمنية كبيرة ليطلق عليه فيما بعد “الخزنة الحديدية”. كان الزبيدي من أوائل الأسرى الذين حطت أقدامهم داخل أقسام سجن “جلبوع”.
يحيى الذي اعتقل في 9 نيسان/ إبريل عام 2002، وأمضى نحو 17 عاما في سجون الاحتلال، هو شقيق الأسير زكريا الزبيدي الذي تمكن من انتزاع حريته من سجن “جلبوع”، برفقة خمسة أسرى آخرين، عبر حفرهم نفقا إلى خارج أسوار السجن في 6 أيلول الجاري، وأعيد اعتقال أربعة منهم قبل أيام، وسط تعرضهم للتعذيب الوحشي والضرب والتحقيق المستمر.
ومعتقل “جلبوع” الذي افتتح رسميا عام 2004، يتكون من خمسة أقسام في كل واحد منها 15 غرفة، تتسع لثمانية أسرى، معظمهم من ذوي الأحكام العالية والمؤبدات، وجرى بناؤه فوق أرضية من الإسمنت المُسلح وبطبقة فولاذية، ومزود بنظام تحت أرضية السجن، ويتحول لون أرضية المكان الذي يحفر بداخله إلى لون آخر، اذا ما تم إخراج جزء من الإسمنت الذي يغطي أرضية السجن، بحسب مؤسسات مختصة في شؤون الأسرى.
يجلس المحرر الزبيدي في منزل عائلته الذي تعرض لثلاث عمليات هدم من قبل الاحتلال، يراقب هاتفه الخلوي الذي لا يهدأ رنينه، للاطمئنان ومعرفة آخر الأخبار عن صحة شقيقه زكريا.
زكريا تعرض لضرب مبرح أدى الى كسور في وجنته وأضلاعه، حسب تصريحات المحامي الذي زاره أمس الأربعاء.
وأثناء جلوس المحرر الزبيدي مع ضيوفه كانت إحدى قنوات التلفاز تعرض لقطات من داخل سجن “جلبوع”، وقتها قطع حديثه، وأخذ يصف المشاهد التي يراها وأرقام الأقسام التي تعرض على الشاشة، وأولى أيامه داخل هذه الأقسام.
يقول “اذكر في صبيحة الثاني من آب عام 2003، أيقظنا جنود الاحتلال من النوم، كنا وقتها في سجن شطة، واقتادوا 40 منا إلى سجن آخر لا يبعد سوى أمتار، والذي يطلق عليه اليوم “جلبوع”، لتصبح أقساما جديدة بأرقام (13-14) كامتداد لسجن “شطة”.
ويضيف في حديث لـ”وفا”، “وقتها لم يكن السجن قد افتتح رسميا، وانما كان هناك قسمان واللذان يحملان اليوم رقمي (1-2)، وكنت أول من وطئت قدماه سجن “جلبوع”، وكانت عملية نقل الأسرى على عجالة، في محاولة من إدارة السجون لكسر الإضراب عن الطعام الذي كنا نخطط له في العشرين من شهر آب في ذلك الوقت”.
ويتابع الزبيدي “بعدها أضافت سلطات الاحتلال عددا من الاقسام في جلبوع، وأصبحت تسوق له على أنه الأشد تحصنينا وأمنا، إلا أن الأسرى الستة حطموا هذا الحصن المنيع وأسطورته”.
ويؤكد “كنت أتعرض للضرب أنا وشقيقي جبريل الذي ما زالت آثار التعذيب واضحة في رأسه، فقط لأن شقيقنا زكريا، وفي عام 2006 فقدت الذاكرة بشكل جزئي من شدة الضرب”.
يتابع الزبيدي “عندما سمعت خبر انتزاع الأسرى الستة حريتهم عبر نفق حفروه من تحت أرضية السجن، لم يتسلل إلى داخلي الشك أنهم فعلوها، فهناك محاولات كانت قبل ذلك، شارك فيها ابن عمتي وحدثني عن بعض التفاصيل وقتها”.
تجرعت عائلة الزبيدي الكثير من ويلات الاحتلال، فاستشهد والدهم الذي أمضى 7 أعوام خلف قضبان السجون عام 1992، كما استشهدت والدتهم وشقيقهم خلال اجتياح مخيم جنين عام 2002، وتعرض زكريا لإصابات عدة ومحاولات اغتيال فاشلة، إضافة إلى هدم منازلها ثلاث مرات.
يذكر أن أبناء عائلة الزبيدي هم أحفاد الأسير والشهيد محمد جهجاه، الذي كان أحد الأسرى الفلسطينيين والعرب، الذين استطاعوا انتزاع حريتهم من سجن “شطة” في 30 تموز/ يوليو عام 1958، ونجحوا بالوصول إلى الأردن، بعد معركة مع حراس السجن أسفرت عن استشهاد 11 أسيرا وإصابة 13 آخرين.