تصادف اليوم، الذكرى الـ66 لمجزرة كفر قاسم، والتي راح ضحيتها 49 مواطنا من أبناء شعبنا العزل.
ففي 29 تشرين الأول 1956، فتح جنود الاحتلال النار على الفلسطينيين العائدين إلى منازلهم في قرية كفر قاسم، فقتل 49 مواطنا معظمهم من الرعاة، والمزارعين، وأصاب 31 في 11 موجة قتل، توزعت في أنحاء القرية.
44 شهيدا ارتقوا على الطرف الغربي للقرية، بينما ارتقى ثلاثة شهداء على الطرف الشمالي، وفي داخل القرية ارتقى شهيدان. هكذا توزع شهداء المجزرة الـ49 (نصفهم من النساء والأطفال) على أطراف وفي داخل كفر قاسم، والتي أصبحت لاحقا “مدينة الشهداء”.
في نهاية الخمسينات، تمّ تقديم بعض المسؤولين عن المذبحة، وتمّت تبرئتهم جميعا إلا واحدا يدعى “شدمي”، فقد غُرّم بقرش واحد فقط، لمشاركته في المجزرة.
وفي تفاصيل المجزرة أعطت قيادة جيش الاحتلال الإسرائيلي أمرا يقضي بفرض حظر التجول من الساعة الخامسة مساء وحتى السادسة من صباح اليوم التالي، فيما طلب قائد الكتيبة شدمي، من ملينكي، أن يكون تنفيذ منع التجول حازماً بإطلاق النار وقتل كل من يخالف وليس اعتقاله، حيث قال له “من الأفضل أن يكون قتلى على تعقيدات الاعتقال، ولا أريد عواطف”، فما كان من ملينكي إلا أن أصدر تعليماته لقواته بتنفيذ قرار حظر التجول دون اعتقالات وأبلغهم بأنه “من المرغوب فيه أن يسقط بضعة قتلى”، ومن ثم قام بتوزيع قواته على القرى العربية في المثلث.
وقد توجهت مجموعة من قوات “حرس الحدود” الإسرائيلي بقيادة الملازم آنذاك جبريئل دهان إلى كفر قاسم، حيث قام بتوزيع قواته إلى أربع مجموعات، بحيث بقيت إحداها عند المدخل الغربي للبلدة، وأبلغوا مختار كفر قاسم في ذلك الوقت وديع أحمد صرصور، بقرار منع التجول، وطلب منه إبلاغ الأهالي بذلك، حيث رد صرصور بأن هناك 400 شخصاً يعملون خارج القرية ولم يعودا بعد ولن تكفي نصف ساعة لإبلاغهم، غير أنه تلقى وعدا من قبل مسؤول مجموعات حرس الحدود بأن هؤلاء الأشخاص سيمرون ولن يتعرض أحد لهم، وفي تمام الساعة الخامسة مساء ارتكبت قوات حرس الحدود مجزرة كفر قاسم.
وقد حاولت حكومة الاحتلال في ذلك الوقت إخفاء جريمتها، غير أنها لم تستطع، فقد بدأت الأخبار تتسرب، إلى أن أصدرت الحكومة الإسرائيلية بياناً يفيد بنيتها تشكيل لجنة تحقيق بما حدث، وتوصلت اللجنة إلى قرار يقضي بتحويل قائد وحدة حرس الحدود وعدد من مرؤوسيه إلى المحكمة العسكرية، لتستمر محاكمة منفذي المجزرة حوالي عامين.
وفي السادس عشر من تشرين الأول لعام 1958 أصدرت المحكمة بحق مرتكبي الجريمة أحكاما متفاوتة بالسجن، تتراوح ما بين 15-17 عاما، بتهمة الاشتراك بقتل 43 عربياً، بينما حكم على الجنود الآخرين السجن الفعلي لمدة 8 سنوات بتهمة قتل 22 عربياً، غير أن هذه العقوبة لم تتم، فقد قررت محكمة الاستئناف تخفيف المدة، حيث أطلق سراح آخرهم مطلع العام 1960، فيما قدم يسخار شدمي، صاحب الأمر الأول في المذبحة في مطلع 1959 وكانت عقوبته التوبيخ، ودفع غرامة مقدارها قرش إسرائيلي واحد!!
وبتاريخ 29-7-2022، كشفت بروتوكولات وقرائن تتعلق بمجزرة كفر قاسم، أن جيش الاحتلال الإسرائيلي خطط لارتكاب المجزرة، ونفذها جنوده بدم بارد بغرض قتل أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين، كان من بينهم أطفال ونساء.
وسمحت محكمة الاستئنافات العسكرية الإسرائيلية بنشر بروتوكولات المجزرة، التي نفذتها فرقة “حرس الحدود” في جيش الاحتلال الإسرائيلي.
وتتضمن البروتوكولات شهادات أدليت خلال مداولات محكمة عسكرية أعقبت المجزرة، حيث تشير إلى أن “البلدات والقرى العربية كانت تخضع لحكم عسكري منذ تأسيس إسرائيل وحتى العام 1965. وفي اليوم الذي ارتكبت فيه المجزرة تم فرض حظر تجول على القرى العربية في المثلث، بالتزامن مع بدء العدوان الثلاثي (الإسرائيلي – البريطاني – الفرنسي) على مصر”.
وتكشف أن “قائد حرس الحدود في تلك المنطقة يسّخار شيدمي، قرر تبكير سريان حظر التجول من الساعة التاسعة مساء إلى الساعة الخامسة مساء، من دون الإعلان عن ذلك، ولم يكن قد عاد قسم من السكان من أعمالهم إلى قراهم. ولدى عودتهم أطلقت القوة العسكرية الإسرائيلية النار عليهم وقتلتهم بزعم تواجدهم خارج بيوتهم”.
ويتبين من بروتوكولات المحكمة أن “الجنود سُئلوا إذا كان بإمكانهم التبليغ عن الأحداث بأجهزة الاتصال اللاسلكي، وأجابوا بنعم. وسُئل ضابط عن الاستعدادات لفرض حظر التجول في كفر قاسم، وأجاب الضابط أنه: عندما لا يكون هناك وقت، نتنازل عن أمور ليست ضرورية”.
واعترف حاييم ليفي، أحد ضباط سرية في حرس الحدود، بأن قائد الكتيبة، صموئيل ملينكي، أبلغه بأن خطة عملية “الخلد” السرية لاغية وأنه توجد خطة جديدة.
و”خطة الخلد” هي خطة إسرائيلية سرية لم تخرج إلى حيّز التنفيذ ولم تنشر تفاصيلها الكاملة، كانت تهدف إلى تهجير سكان منطقة المثلث إلى الأردن، وسمحت المحكمة بذكر الخطة في البروتوكولات أو المداولات التي جرت حولها، لكنها حظرت نشر الخطة نفسها وصورا من موقع المجزرة.
ويتضح مما نشر أن “ضباط حرس الحدود تحدثوا قبل المجزرة بيوم واحد عن إمكانية احتلال الأردن، ولذلك كانوا في حالة استنفار. وانتشرت القوة الإسرائيلية حول كفر قاسم، باستثناء القسم الشرقي من القرية، بهدف تهجير السكان إلى الأردن”.
وقال الضابط ليفي في إفادته أمام المحكمة إن “قائد الكتيبة ملينكي أبلغه بشكل واضح بأنه يُرغب بسقوط عدد من القتلى”. وفي رده على سؤال حول ما إذا كانت أقوال ملينكي معقولة، قال ليفي: “فهمت أن هكذا ينبغي أن يكون، وأن هذه هي السياسة/ الرغبة، وخلال ذلك قيل إن أي أحد يشاهد سيقتل، وأدركت ذلك من خلال الأمر العسكري الصادر”.
وقال شيدمي في شهادته أمام المحكمة لدى سؤاله عن الأمر العسكري الذي تلقاه بخصوص المواطنين العائدين إلى بيوتهم في كفر قاسم، إن الأمر الذي تلقاه كان “الله يرحمه”. وأضاف لاحقا أنه “أصدرت هذا الأمر العسكري في حال حدوث أعمال شغب وخرق واسع لحظر التجول، ومن خلال التأكيد على أنه يحظر علينا خلق أوضاع قد تؤدي إلى انعدام هدوء”.
وتشمل البروتوكولات التي سمح بنشرها مئات الوثائق التي تتضمن شهادات وإفادات جنود وضباط من جيش الاحتلال الذي شاركوا في ارتكاب مجزرة كفر قاسم.
وكانت نيابة الاحتلال العسكرية تعارض بشكل كامل كشف معظم المواد السرية المرتبطة بالمجزرة، والتي قدمت إلى المحكمة ضد مرتكبي المجزرة، مدعيةً أنه “بعد مشاورات مع جهات مختلفة، بينها وزارة الخارجية الإسرائيلية، فإن نشر المواد سيشكل خطرا على أمن إسرائيل ويلحق ضررا بسياستها الخارجية”.
وتراجعت نيابة الاحتلال عن معارضتها، في كانون الأول/ديسمبر الماضي، دون الإعلان عن تفسير لذلك. وعلى هذه الخلفية، قررت محكمة الاستئناف العسكرية، في آذار/مارس الماضي، السماح بنشر هذه المواد،
وسمح بنشر هذا القرار أواخر شهر أيار/مايو الماضي، قبل أن يسمح بنشر البروتوكولات في التاسع والعشرين من شهر يوليو الماضي.