ماذا يعني التّقسيم الزّماني والمكاني للأقصى.. وهل بدأ ؟

إن ما يجري في الأقصى يومياً من اقتحام المستوطنين هو تنفيذ للمخطط الإسرائيلي “التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى” الذي بدأ منذ نكسة عام 1976 تدريجيا حتى هذه اللحظة. ولكن ماذا يعني هذا المخطط ؟

التقسيم الزماني للمسجد الأقصى

مشروع إسرائيلي قائم بالفعل يهدف إلى تقسيم المسجد الأقصى بين المسلمين والمستوطنين اليهود لدخوله في أوقات معيّنة من اليوم وأيام الأسبوع والسنة، من الساعة 07:30 حتى 11:00 صباحاً، وفي فترة الظهيرة من الساعة 1:30 حتى 2:30، وفترة ثالثة بعد العصر، على المسلمين مغادرة المسجد الأقصى لصالح اليهود لأداء ثلاث صلوات في اليوم داخله، كما يتمّ تخصيص المسجد الأقصى لليهود خلال أعيادهم، والتي يقارب مجموع أعدادها نحو 100 يوم في السنة، إضافة إلى أيام السبت التي تخصّص لليهود أي نحو خمسين يوماً بمجموع نحو 150 يوماً في السنة، كما يحظّر رفع الأذان خلال الأعياد اليهودية.

التّقسيم المكاني للمسجد الأقصى

هو تخصيص أماكن بعينها في المسجد الأقصى يقتطعها الاحتلال ويحوّلها لكنس يهودية بحجة أداء المستوطنين طقوسا دينية فيها، فخلال الفترات السابقة قام الاحتلال بتحديد طرق ومسارات خاصة لمستوطنيه عند اقتحامهم للأقصى وفق التقسيم المكاني الذي من خلاله يبسط الاحتلال سيطرته بالقوّة على جميع الساحات الخارجية للمسجد الأقصى أما الأماكن المسقوفة مثل مصلّى قبّة الصخرة والمصلّى المرواني فتكون للمسلمين، ويشمل هذا التقسيم مخطّطات لبناء الكنيس اليهودي والهيكل.

زادت وتيرة تحريضات الكيان الصهيوني بالتّقسيم الزّماني والمكاني، منذ احتلال شرقي القدس في حرب حزيران 1967، تمهيدا لهدم المسجد الأقصى وإقامة الهيكل المزعوم، ليكون هذا المخطط استنساخاً لما جرى في الحَرم الإبراهيمي عقب مجزرة الحرم الابراهيمي، وتعد محاولات الاحتلال الفاشلة بتركيب البوابات الإلكترونية والكاميرات في مداخل المسجد الأقصى حلقة من مسلسل التّقسيم الزّماني والمكاني في الأقصى.

ونشرت مؤسّسات مقدسية تعنى برصد اقتحامات المستوطنين، تفاصيل مخطط التقسيم الزماني والمكاني للأقصى الذي يفصّل توزيع الأوقات والأماكن والكيفية التي ستخصّص لدخول المستوطنين جاء فيها:

– “الصّلوات الفردية”: يقوم بها فرد واحد فقط ؛ بصوتٍ منخفضٍ يُسمع نفسه بشفتيه من دون أن يحمل الكتب والأدوات المقدّسة.

– “الصّلوات الجماعية”: صلوات لعشرة أفراد أو أكثر.

-“المواسم الإسرائيلية”: الأيام التي توافق بها الأعياد ومواسم الصيام لدى اليهود.

– يتم تعيين وتخصيص مسؤول يتحمّل تنفيذ بنود ترتيب الصلوات اليهودية بجبل الهيكل.

وكشف المختصون عبر وثيقة وخارطة لتقسيم المسجد الأقصى زمانياً ومكانياً بكامل تفاصيلها الدقيقة والخطيرة قام بإعدادها نشطاء من حزب الليكود عام 2013 يطلقون على أنفسهم إسم “منهيجوت يهوديت”(أو قيادة يهودية) يتزعّمهم “موشيه فيجلين” نائب رئيس الكنيست آنذاك؛ ويحمل المُقترح إسم “مشروع قانون ونُظم للمحافظة على جبل الهيكل كمكان مقدّس”.

ولا يهدف هذا المُقترَح إلى نزع السيادة الإسلامية عن المسجد الأقصى فقط؛ بل إلى نزع كامل صلاحيات دائرة الأوقاف الإسلامية في كامل مساحة المسجد الأقصى؛ من قبل الاحتلال يحدد نظم و قوانين ولوائح يراها مناسبة حسب الشريعة والمواسم اليهودية؛ ليصبح المسجد الأقصى تابعاً لوزارة “الأديان” في الكيان الصهيوني ضمن المواقع المقدّسة اليهودية وتحت صلاحيات هذه الوزارة وضمن حدود قوانين الأماكن المقدّسة اليهودية.

وحسب “الوثيقة”  فإن المقترَح يعمل على تقسيم المسجد الأقصى بين المسلمين واليهود ويُحدّد مساحات لكل منهما؛ ويعتبر كامل مساحة المسجد الأقصى مقدّساً يهودياً يطلق عليه “جبل البيت”.

ويحدّد المقترَح المرفق بخارطة بأن الجامع القبلي المسقوف هو فقط المسجد الأقصى؛ (وفيه فقط تؤدّى الصلوات الإسلامية)؛ ويقتطع منه الجزء الموجود في أقصى الجهة الجنوبية خلف المحراب الجنوبي “منطقة الزاوية الخنثنية”؛ ويحدّد المقترح بأن كامل مساحة صحن قبّة الصخرة والجهة الشرقية منه مقدّس يهودي خالص؛ ويجعل خُمس مساحه المسجد مساحه للصّلوات اليهودية بالأدوات المقدّسة أحياناً فردية وأخرى جماعية ؛ ويحدّد أوقات الصلوات اليهودية الصامتة فيها مع إمكانية زيادة الأوقات والمساحات التي تمكّن اليهود من أداء صلواتهم؛ خاصة أيام الجمعة والسبت والأعياد والمواسم اليهودية ؛ وإمكانية اقتحام ودخول اليهود للمسجد الأقصى من جميع الأبواب وفي جميع الأوقات؛ ويجعل المقترَح من صلاحية ما يسمى “المفوّض” أن  يحدّد أوقات ومساحات في المسجد الأقصى لدخول اليهود فقط؛ كما يتضمّن جملة من المحظورات والممنوعات من أعمال الترميم والصيانة للمسجد الأقصى إلا بإذن من “المفوّض”؛ ويمنع الاعتكاف في المسجد الأقصى.

بدأت محاولات التّقسيم بالتدرّج بعد عام 1967، فقد كان في الماضي برنامجان في المسجد المبارك، الأول للمسلمين وهو أوقات الصلاة وبرنامج آخر للسائحين وهو مصطلح تمويه يقصد به للمستوطنين وهو عادة ما يكون فترة الصباح ما بين السابعة إلى الحادية عشرة وبين الظهر والعصر فقط.

أعيدت المفاتيح إلى الأوقاف الأردنية التي تولّت شؤون المسجد، باستثناء مفتاح باب المغاربة المخصّص حالياَ لاقتحامات المستوطنين.

ومنذ تولّي الأردن إدارة الأوقاف وشؤون المسجد الأقصى، حدّدت المملكة فترتين: صباحية بين الساعة السابعة والنصف والعاشرة، وأخرى مسائية بين الواحدة والثانية ظهراً، لدخول المستوطنين إلى المسجد .

وفي تتابع للانتهاكات، قرّرت قاضية في المحكمة المركزية الإسرائيلية عام 1976 أن لليهود الحق في الصلاة داخل الحَرم.

وفي عام 1981 اقتحم أفراد من حركة “أمناء جبل الهيكل” المسجد الأقصى برفقة حاخامات، وأرادوا الصلاة وهم يرفعون العَلم الإسرائيلي ويحملون كتب التوراة.

وفي عام 1986، عقد عدد من الحاخامات اجتماعاً خاصاً قرّروا فيه بصورة نهائية السماح لليهود بأداء الطقوس في المسجد الأقصى، ثم سمحت الشرطة الإسرائيلية رسمياً -وللمرة الأولى- عام 1989 بإقامة صلوات للمُتديّنين اليهود على أبوابه.

وبعد اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000، التي أطلق شرارتها اقتحام  “أرييل شارون” لباحات المسجد، أصبحت إسرائيل تتحكّم مُنفردة في حركة الدخول والخروج ضمن الوقتين المذكورين، وشرعت في إدخال مجموعات من المستوطنين إلى المسجد بحراسة أمنية.

وخلال شهري فبراير وأكتوبر 2014 قدّم نواب مُتطرّفون للكنيست مشروعين بقانونين: الأول لسحب الوصاية الأردنية على المقدّسات الإسلامية، والثاني يتعلّق بالتقسيم الزّماني والمكاني للمسجد الأقصى المبارك.

وفي عام 2015 أصدرت حكومة الاحتلال قانوناً اعتبرت فيه المرابطين في الأقصى (إرهابيون) ويحاكمون في محاكم الاحتلال.

عام 2018 رصدت مؤسسات تعنى بانتهاكات الاحتلال بالقدس واقع المسجد الأقصى والاعتداءات الإسرائيلية عليه خلال عام كامل إن إسرائيل “تسعى إلى استبدال المكوّن البشري الإسلامي، من مُرابطين ومُصلّين ومُعتكفين، بالمكوّن الاستيطاني اليهودي، مقدّمة لتحقيق التقسيم المكاني لأجزاء من باحات المسجد”.

كما أشارت في تقاريرها إلى ارتفاع نسبة المُقتحمين للمسجد الأقصى، من قبل مستوطنين والأمن الإسرائيلي والطلاب اليهود، بنسبة 40.3% بعام 2017 مقارنة بالعام الذي سبقه.

يذكر أن المستوطنين اليهود اقتحموا الاقصى منذ يوم الجمعة الماضية وحتى اليوم منذ الساعة السبعة صباحا وحتى الحادية عشر من جهة باب المغاربة بحماية من شرطة الاحتلال تزامنا مع افراغ الباحات من المصلين ومحاصرة المعتكفين في المصلين القبلي والمرواني كما اعتقلت نحو 400 مرابطاً ومعتكفاً ومصلياً كما اغلقت الأبواب أمام المصلين وحولت القدس إلى تكنة عسكرية ونصبت الحوجز في البلدة القديمة بالقدس المحتلة بمناسبة عيد الفصح اليهودي.