كتبت: هبه ملحم
تاريخياً؛ كانت مصر من بين الدول الأكثر تفاعلاً بكل ما يتعلق بفلسطين، فطالما احتضنت القضية الفلسطينية سياسياً، وأمنياً، وإنسانياً. ولكن في قرار منع المُطربة الفلسطينية ناي البرغوثي من دخول الأراضي المصرية وإلغاء حفلتَيْها اللتين كانتا مقررتَيْن في دار الاوبرا المصرية في القاهرة، والاسكندرية؛ انعكاس لوجود أزمة ما، خاصةً وأنه تم استقبال الأوركسترا الاسرائيلية في وقتٍ سابق وعزفت في ذكرى النكبة أمام الأهرامات، ولكن في مجال إدارة الأزمات، فإنّ الأمر يتطلب وعياً ونضوجاً وثقة، وإعادة الحسابات في مواجهة هذا الحدث وضبطه، بعد أن شَهِدَ جدَلاً إعلامياً واسعاً. ناي البرغوثي: مطربة فلسطينية راقية أثرَتْ الموسيقى العربية بفنها الجميل الشرقي، الملتزم، والمستقيم بشكلٍ غريب.. التزام فيه حُرية واتفاق سلام بين الماء والهواء! قدّمت ولا زالت تُقدم ناي مقطوعاتٍ موسيقية غزيرة النغم والشجن، أما إحساسها المُعَتّق وكأنه ينبش حنيناً ما مضيءٌ في الروح، وبدا ذلك واضحاً في ألبومها الأول الذي أصدِرَ مؤخراً. تضمّن “ألبوم ناي- الأول ” إبداعاتٍ مُنتقاةٍ مشغولة بحرفية على مستوى الكلمة واللحن والتوزيع والغناء، مثل رائعة : “قلبي يحدثني ” : قلبي يُحَدّثني بأَنّكَ مُتْلِفِي روحي فِداكَ عرَفْتَ أمَ لم تَعْرِفِ لم أَقْضِ حَقّ هَواكَ إن كُنتُ الذي لم أقضِ فيِه أسىً ومِثليَ مَنْ يَفي كما كانت هناك إنتاجات من غناء وتلحين وتوزيع ناي، مثل: “همَّ مين ” والتي كانت من كلمات الشاعر أحمد فؤاد نجم، وقدمتها إهداءً إلى الشيخ إمام وروحه الثورية المُلهِمَة: حزّر فزّر شغّل مخّك شوف مين فينا بياكل مين احنا مين وهمّ مين احنا قرنفل على ياسمين احنا الحرب حطبها ونارها واحنا الجيش اللي يحرّرها واحنا الشهدا ف كل مدراها منتصرين او منكسرين وتميّز ألبوم ناي الأول برائعة “الرسالة انمَحَتْ “: ما الرّسالة انمحت وحروفا تفرّقت والرّيح حملتها وعشطوط رشّتها والرّمل غطّاها وغفي وهيّ اختفت وانتَ… بعدك زعلان؟ وانتَ… بعدك عتبان؟ لا يُمكن وصف هذا الجمال الفلسطيني، هو فقط يُحَسّ.. إلى كل أنحاء العالم يمتد معجبوا ناي، من فلسطين مروراً بسوريا ولبنان ومصر والمغرب العربي، وفلوريدا وافريقيا ومن كل بقاع الأرض، فنانون وأناس عاديون.. ولكن جميعهم أحرار وذوّاقّون للفن، يصفونها: (وردة جبلية فلسطينية/ مبدعة/ طرب الحاضر/ رحابنة وفيروز 2022/ حين يصبح اللحن بحد ذاته كلمات تحاكي شغاف القلب، وعندما يدغدغ الصوت خبايا الروح. تكون النتيجة ناي البرغوثي/ أشياء جميلة تشفع للعالم قبحه.. شكرا ناي). ناي فلسطين، هي ليست نموذج للمرأة الفلسطينية المُبدعة فحسب؛ إنما انعكاس للاجتهاد ولتجارب روحية وعقلية، وشخصية، واجتماعية أدت إلى وجود هذا النموذج النظري والتطبيقي الأصيل ذو القيمة في الحياة الإنسانية.