نعى الاتحاد العام للكتّاب والأدباء الفلسطينيين ممثلا بالأمين العام الشاعر مراد السوداني، الشاعر الكبير محمود صبح، الذي وافته المنية اليوم الثلاثاء بعد عمر مديد بالعطاء والإبداع.
وجاء في نص النعي الصادر عن الأمانة العام: ” نفقد اليوم شاعرًا من شعراء الوطن الكبار، الذين عاشوا في الوطن، وأجبرتهم النكبة على مغادرته والعيش في مرارة المنفى، وسطوة الحنين لأرض الآباء، ورغم قسوة الظروف، ثبتوا على الثابت، وتمسكوا بالحلم الكبير والعودة إلى موطن الطفولة، وذكريات الحياة الأولى.
نودع اليوم الشاعر الكبير محمود صبح، وهو علمٌ من أعلام فلسطين العالية، والذي حفر اسم شعبه في وجدان كل من عرفه، وكان خير سفير لوطنه في كل براح قام فيه.
وإننا بوداعه نكون قد خسرنا قامة وقيمة أدبية وإبداعية ونضالية مشهود لها، ومواساتنا بغيابه التمسك بميراثه، ونقله إلى الأجيال القادمة. رحم الله الشاعر محمود صبح وغفر له، وأسكنه فسيح جنانه، ولعائلة صبح وخاصة أهله ومحبيه، وكتيبة الأدباء خالص العزاء وأصدق المواساة”.
ولد الشاعر محمود صبح في مدينة صفد عام 1936، والتجأ مع أسرته إلى دمشق في 14 آيار/مايو 1948، أكمل دراسته الابتدائية والثانوية فيها، ونال من جامعتها ليسانس في اللغة العربية وآدابها عام 1961، كما حصل على شهادة الدبلوم العامة في التربية وعلم النفس من الجامعة نفسها، بعد ذلك عمل مدرسا للغة العربية وآدابها، في إحدى المدارس الثانوية بمدينة الدار البيضاء بالمغرب، ومباشرة بعد استقلال الجزائر عمل مدرسا عام 1963 في مدرسة ثانوية بوهران، وفي مدرسة أخرى بسيدي بلعباس.
ثم عاد إلى سورية، وعين مديراً لمدرسة إعدادية “الشجرة” بحمص، وفي عام 1965 وصل مدريد بمنحة من المعهد الإسباني – العربي للثقافة لمواصلة دراسته العليا، وبعد ذلك بسنتين حصل على دكتوراة دولة من جامعة مدريد المركزية “كومبلوتنسه” بدرجة ممتاز، عن أطروحة قدمها بعنوان” الغزل في الشعر الأندلسي” ومن ثم عين أستاذا بقسم اللغة العربية في كلية الآداب بنفس الجامعة، وهي أكبر جامعة في إسبانيا، وواحدة من أقدم جامعات العالم، تأسست عام 1293 للدراسات العامة، ثم أصبحت في عام 1499 جامعة حكومية بنفس اسمها الحالي.
واصل عمله في التدريس الجامعي حتى عام 2006، حيث قرر مجلس جامعة “كومبلوتنسه” بالإجماع منحه لقب “أستاذ كرسي مبرز” وهو لقب دائم لقليل من المتقاعدين.
بدأ نظم الشعر مبكراً في دمشق، وفاز بجوائز شعرية كثيرة، أولها في عام 1958 عن قصيدة له بعنوان “تاريخ أمة في حياة بطل” نتيجة مسابقة نظمها المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب بمصر، وفاز بجامعة دمشق للشعر في عام 1960 عن قصيدة له حول حياة المتنبي وشعره بعنوان “بطولة عربي في إهابِ شاعر” وبعد ذلك بعام فاز بجائزة اتحاد جامعات الجمهورية العربية المتحدة للشعر عن قصيدة بعنوان “ملحمة الخلود”.
واصل نظم الشعر في اسبانيا باللغتين العربية والإسبانية، وانتشر شعره في إسبانيا ودول أميركا اللاتينية، في صور مفعمة بالتزاماته ومواقفه الوطنية، شكلت نسقاً متكاملاً في تعريفه بقضية شعبه المصيرية، وغدا- كما يوصف- قنطرة وصل وتواصل بين إسبانيا والدول العربية.