مضى 18 عاما على رحيل راشيل كوري، أول ناشطة سلام دولية تسحق تحت “جنازير” آليات الاحتلال العسكرية في رفح جنوب قطاع غزة، بينما كانت تتضامن مع شعبنا وتحاول منع هدم منازل فلسطينية.
ففي السادس عشر من آذار عام 2003، كانت الناشطة الأميركية راشيل كوري، البالغة من العمر حينها (23 عاما)، تقف بمواجهة آلية عسكرية إسرائيلية جنوب قطاع غزة، لتتحرك باتجاهها وتسحق عظامها بلا رحمة أو هوان.
ولدت كوري يوم 10 أبريل/ نيسان 1979 في أولمبيا بواشنطن، وسخّرت جُلّ حياتها للدفاع عن حقوق شعبنا الفلسطيني، وذهبت إلى قطاع غزة ضمن حركة التضامن العالمية (ISM) في 22 كانون الثاني 2003.
ويستذكر شعبنا في مثل هذا اليوم، ومعهم محبو السلام في العالم، حادثة استشهاد راشيل كوري، التي لطالما رفعت شعار “كن إنسانا”، وتقدمت في ذلك اليوم، حاملة مكبرا للصوت وترتدي معطفا برتقاليا نحو جرافة الاحتلال، كي تمنعها من الاقتراب من تدمير المنازل في قطاع غزة وتجريف أراضي المزارعين، معقدة أن ملامحها الأجنبية، ستشفع لها أمام بطش الاحتلال، غير أنها سقطت في دقائقَ جثّة هامدة.
كانت راشيل، وهي طالبة جامعية، وثمانية من زملائها من حركة التضامن الدولية، (خمسة أمريكيين وثلاثة بريطانيين)، لحظة مصرعها يحاولون منع جرافة عسكرية تابعة لقوات الاحتلال من هدم أحد المنازل الفلسطينية في حي السلام المجاور للشريط الحدودي مع مصر جنوب مدينة رفح.
ووفقاً للإفادات التي قدّمها زملاء الضحية وقتها للمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان وإفادات شهود العيان، إنه في حوالي 4:45 من مساء ذاك اليوم، كانت راشيل كوري تقف أمام أحد المنازل الفلسطينية في حي السلام برفح، وكانت تلوّح لسائق جرافة عسكرية إسرائيلية كانت تتقدّم نحو المنزل لكي يتوقّف عن هدم المنزل، وفي تلك اللحظة كانت كوري ترتدي سترة برتقالية اللون يمكن تمييزها عن بعد، وتتحدّث إلى سائق الجرافة بواسطة مكبّر للصوت، فيما كان بقية أعضاء مجموعة حركة التضامن الدولية يقفون على بعد حوالي 15-20 متراً يناشدون سائق الجرّافة التوقّف.
ووفقا لإفادات شهود العيان، يبدو أن كوري صعدت على كومة من التراب بينما كانت الجرافة تتقدّم نحوها وأثناء محاولتها الابتعاد، سقطت أرضا وغطاها التراب الذي جرفته شفرة الجرافة.. في هذه الأثناء كان زملاء كوري يصرخون ويشيرون إلى سائق الجرافة بأن يتوقّف. ثم توقّفت الجرافة على بعد أمتار قليلة، ورفعت كفها إلى أعلى وأنزلته مرة أخرى وعادت إلى الخلف.
وذكر شهود العيان أن قوات الاحتلال لم تقدّم أية مساعدة لكوري.. وبعد لحظات، وصلت سيارة إسعاف فلسطينية وقامت بنقلها إلى مستشفى الشهيد محمد يوسف النجار في رفح، حيث أعلن عن وفاتها.
واستقبل الفلسطينيون استشهاد كوري بألم عميق، ونظموا لها جنازة، على غرار جنازات الشهداء الفلسطينيين. وأطلق الرئيس الراحل الشهيد ياسر عرفات، على كوري لقب ‘الشهيدة‘، كما تم إطلاق اسمها على العديد من المراكز الثقافية في الأراضي الفلسطينية.
وكانت محكمة الاحتلال الإسرائيليّة، أصدرت عام 2013، قرارا بتبرئة قاتل المتضامنة كوري، ورفضت المحكمة دعوى مدنية رفعتها عائلة كوري ضد إسرائيل. وقالت المحكمة “إنها وصلت إلى استنتاج يشير إلى عدم وجود إهمال من قبل سائق الجرافة، وأنه لم يرها قبيل دهسها”. وتمخض التحقيق الإسرائيلي عن عدم تحميل المسؤولية للجندي الإسرائيلي سائق الجرافة العسكرية.
وجاء في شهادة أحد شهود العيان لمركز حقوقي حينها أن ‘الجرافة استمرّت في التقدّم إلى أن أصبحت راشيل أسفل مركز الجرافة مباشرة. ثم توقّفت الجرافة للحظة، وبعدها تراجعت إلى الخلف فيما ظلّ نصلها متجهاً إلى الأسفل، وغمرت بالرمال وكان ذلك واضحاً لطاقم الدبابة ولطاقمي الجرّافة التي قتلت راشيل والجرّافة الأخرى، ولكن سائق الجرافة لم يتوقّف، ولم يغيّر السرعة، بل استمر في التحرّك إلى الخلف بسرعة حوالي خمسة أميال في الساعة، لمسافة 4-5 أمتار أخرى دون أن يرفع نصل الجرافة‘.
يُشار إلى أن كتابات راشيل، التي نُشرت بعد مقتلها، غدت رمزا للحملة الدولية التي تخوض غمارها أطراف عدة باسم الفلسطينيين. وتم تحويل تلك الكتابات إلى مسرحية حملت عنوان ‘أسمي راشيل كوري‘، ودارت فصولها عن حياتها، وجابت المسرحية مناطق مختلفة من العالم، بما في ذلك الضفة الغربية وقطاع غزة.
انضمت راشيل إلى حركة التضامن العالمية لدعم القضية الفلسطينية.. لكنها عادت إلى واشنطن ملفوفةً بالعلم الأميركي، ولتظل روحها باقية في الذاكرة الحية لآلاف من أحبوا وعشقوا شجاعتها وانتصارها لشعب أعزل لم يبرح يناضل منذ رحيلها وما قبل ذلك بكثير من الخلاص من نير الاحتلال!!