فاز الزميل مصطفى بشارات بالجائزة الأولى في مسابقة القصة القصيرة لعام ٢٠٢٣ التي نظمها المنتدى الثقافي الاسترالي العربي
ونال بشارات الجائزة عن قصة “أعيدوها إليّ”.
وتناولت قصة الزميل بشارات قضية ولادة الأسيرات الأمهات في سجون الاحتلال.
وقال المنتدى الثقافي الاسترالي العربي العديد من القصص القصيرة دخل منها الى التصفية ٣٣ قصة فقط كانت قد لبّت شروط المسابقة، وكانت من البلاد التالية: سوريا، مصر، المغرب، الجزائر، العراق، لبنان،السودان، فرنسا، السويد.
وهنأت اللجنة الاكاديمية الفائزات والفائزين.
وأشارت اللجنة، الى أهمية كلّ القصص القصيرة التي شاركت في المسابقة وتمتعها بمستوى عالي من الحرفية الأدبية.
وأشارت اللجنة، الى أهمية كلّ القصص القصيرة التي شاركت في المسابقة وتمتعها بمستوى عالي من الحرفية الأدبية.
القصة كاملة:
أعيدوها إليَّ..
” إلى الطفل الأسير المحرر (نور) وأمه المعتقلة منال غانم..إلى عموم الأسيرات والأسرى في سجون الاحتلال الاسرائيلي.. وإلى الأطفال الأسرى على وجه الخصوص”
قصة: مصطفى بشارات
الساعة تشير إلى ضواحي السادسة؛ وكان اليوم الخميس 11/5/2006؛ ووجدت نفسي في هرج ومرج لم أعتده في عالمي الصغير؛ وخلف الأسلاك الشائكة خلق كثير من النساء والرجال؛ كانوا ينظرون إلي باستغراب، ولوح بعضهم لي يحييني كأنه يعرفني؛ وكانت بأيدي آخرين أشياء تلمع عرفت لاحقا أن اسمها “كاميرات”، ينبعث منها وميض لم تقو عيناي على احتماله، كما أشعة الشمس التي لم أعتد عليها؛ وها أنذا أراها لأول مرة.. هكذا دفعة واحدة؛ وبكامل قرصها الملتهب.
كنت، ولا أزال؛ صغيرا؛ أدخل عالما قلتم إنَّه العالم الطبيعي الذي كان يجب أن أفتح عيني عليه؛ وسمعتكم تسمونه “الدنيا”.. أنا، نفسي؛ لا أعرف هذا العالم، ولم أعرفه مطلقا.. أؤكد لكم؛ هو لا يوجد في قاموسي؛ حتى أنني لا أعرف ما هي القواميس.. لماذا تستغربون؟؟!!
حين فتحت عيني على الدنيا؛ أو تلكم التي تدعونها الحياة؛ كانت مختلفة تماما.. كانت غرفة صغيرة؛ ربما أعرف ذات يوم أنها أحد العنابر؛ وبشكل أكثر وضوحا؛ فيما بعد، قد أعرف أنها أحد عنابر السجن.. هذه الكلمة الأخيرة- السجن – لا تعني لي الشيء ذاته الذي تعنيه لكم.. إنكم تمقتونه.. ترون أنه يسلب حريتكم؛ لكنه كان حريتي المطلقة.. نعم. الحرية المطلقة لي؛ أنا نور ناجي غانم الذي أبصر النور في أيلول من عام 2003 ميلادية؛ الطفل الوحيد والفريد في هذا العالم المتحضر الذي يرى حريته في سجنه..؛ حتى هذه الحرية قد لا تعني لي شيئا؛ وربما تعني ذلك الشيء ذات يوم؛ لكن ما يهمني الآن هو: أين منال؟؟؟
أين أنت يا منال؟
يقولون أمي.. لم أكن أميزها عن زميلاتها الأخريات؛ أولاء اللواتي تعرفونهن أنتم كمعتقلات؛ أما أنا فأعرف فيهن عالمي.. كل عالمي.. عالمي الكبير.. وبالنسبة لكم هو صغير.. هو سجن!
حين فتحت عيني على الدنيا قبل نحو ثلاث سنوات لم أعرف غيرهن.. هن اللواتي كن يلاعبنني.. ومنال؛ أيضا. نعم. هي أمي..؛ لكنني كنت أدعوها هكذا: مـ نـ نــ نــــال.. كانت تلاطفني، وتلاعبني، وهي أيضا مثلهن؛ لكنها تختلف عنهن كونها الأولى التي عرفتها، ونمت في حضنها أكثر، ورضعت من حليبها.
منال…أين أنت، ولماذا أسلمتيني إلى عالم لا أعرفه.. عالم جديد لم أعتد عليه: هل سأعتاد عليه ذات يوم؛ كم سيستغرقني من وقت لأنجح في ذلك.. ثم إلى متى سيطول غيابك لأرتمي في حضنك من جديد، وهل ستأتي صديقاتك الأخريات.. أنا لا أعرف غيرك، وغيرهن؟؟
ذلك الرجل الأسمر الطيب الذي يضمني الآن ويقبلني، كنت أسمع اسمه من منال.. من أمي.. نعم. كانت تتحدث عن شيء مجهول ومبهم بالنسبة لي اسمه “أبوك”.
نعم. أعرف أنه رجل طيب، وأنتم تقولون إنه أبي؛ أُصَدِّقُكُمْ، وهو يعاملني برقة.. صحيح.. أعترف بذلك؛ لكنني لا أعرفه؛ ثم ماذا يعني أبي؛ فحين فتحت عيني على تلك الحياة التي تدعونها “الدنيا” لم أبصره؛ كانت هناك، فقط، نساء رماديات مدججات بالسلاح يحطن بمنال.. عفوا أمي.. وكانت هي مقيدة بالسلاسل في رجليها ومعصميها: لماذا مقيدة.. لا أعرف؟؟!!
أنا صغير، ولا أزال صغيرا، ولا أعرف لماذا؛ وقد لا أعرف.. ولا أعرف أيضا كم سيستغرقني من وقت كي أعرف، وربما حين أكبر، ويشتد عودي وأعرف؛ سألعن اليوم الذي كبرت فيه وعرفت.. هي منال التي سمعت منها كلمة “أبوك”.. تكررت الكلمة على ثغرها.. ما أجمل ثغرها.. ليتها تضمني الآن؛ فأقبلها عليه، وأغرق في صدرها أبكي حتى تجف مقلتاي.
أف.. أحس أن عالمكم الحر مضغوط.. أكاد أنفجر.. أعيدوني إلى السجن.. أعيدوني إلى منال؛ أو أعيدوها إلي؟