القدس 4-1-2021 وفا- بلال غيث كسواني
تتفشى ظاهرة فوضى السلاح و”الفلتان الأمني” من إطلاق نار في الشجارات وفي المناسبات الاجتماعية أيضا، في العديد من المدن والبلدات والمناطق، لا سيما الخاضعة لسيطرة الاحتلال الإسرائيلي.
وباتت المشاجرات في ضواحي القدس، على وجه الخصوص، كابوسا تقض مضاجع المقدسيين والسلم الأهلي بالمدينة، في ظل إهمال متعمد من قبل بلدية الاحتلال التي تدير شؤونها، وغض البصر عما يحدث في الأحياء والضواحي التي تصنف مناطق (ج)، واستغلالا لعدم سيطرة الأجهزة الأمنية الفلسطينية عليها.
بلدة كفر عقب شمال القدس المحتلة، واحدة من ضحايا الفلتان الأمني، رغم قربها جغرافيا إلى محافظة رام الله والبيرة، حيث تعيش ظاهرة حيازة السلاح العشوائي وإطلاق النار بشكل مستمر، ودون أن تتمكن الأجهزة الأمنية الفلسطينية من دخولها وضبط الوضع الداخلي فيها، الا في أوقات محدودة وبعد وقوع الجرائم الكبرى، باعتبارها تتبع بلدية الاحتلال التي تشاهد عن بعد الأحداث “الدامية” فيها دون أدنى حد من التدخل، في سياسة ممنهجة تهدف الى ضرب النسيج الوطني والاجتماعي والجبهة الداخلية في المحافظة برمتها.
وفي آخر الأحداث في كفر عقب، قضى 3 مواطنين بينهم شقيقان، وأصيب آخرون، وأحرقت منازل ومصالح تجارية في شجار “عنيف ودموي” وقع أول أمس السبت.
وقال الشيخ نور الرجبي من عائلة الضحايا لـ”وفا”، “إن الخلاف والشجار بدأ بسيطا بين شبان لم يتجاوزوا العشرين، وذلك بسبب قيادة سيارة بسرعة فائقة أمام منزل العائلة وفي الحي، ولكن الأمر تفاقم نتيجة وجود سلاح فلتان بأيدي قتلة”.
وأضاف أنه “ورغم محاولتنا حل الإشكال إلا أننا لم نستطع السيطرة على الوضع وحصل إطلاق نار توفي على إثره 3 شبان من خيرة أبناء العائلة، بينهم زوج ابنتي طبيب الاسنان عرفة الرجبي، الذي كان يحاول الإصلاح ووضع حد للخلاف ولم يكن طرفا فيه، وطلب من القاتل عدم إطلاق النار على المتواجدين لكنه أصر على ذلك”.
وبيّن الشيخ الرجبي، أن ابنته فقدت زوجها الطبيب الذي كان يعيل 4 أبناء، وهم: عبد الله واحمد وعبد الرحمن وليان، وشقيق زوجها هيثم ولديه 4 أبناء أيضا، وابن شقيقتهم عدنان الذي كان من المنتظر زفافه الشهر القادم.
وحمّل الرجبي سلطات الاحتلال المسؤولية عما آلت إليه الأحداث لعدم قيامها بدورها في حفظ الأمن والنظام في كفر عقب وأحياء القدس.
كفر عقب “المكلومة” شيعت ضحاياها، ليلة أمس، في مقبرة الشهداء بالقدس بعد الصلاة عليهم في باحات الاقصى، ورغم بشاعة الجريمة التي مر على وقوعها ثلاثة أيام لم تتدخل شرطة الاحتلال ولم تحقق في ملابساتها، كما لم توفر الحماية للمدنيين وبما تلزمها القوانين الدولية باعتبارها قوة احتلال ويخضع مسرح الأحداث والصراعات تحت سيادتها.
ضحايا كفر عقب الثلاثة وأبناء العائلة الواحدة هم من رجال الإصلاح، وأحدهم طبيبٌ يكرس كل جهده ووقته لمساعدة فقراء المنطقة ومحتاجيها، يقول رئيس لجنة الطوارئ في مجلس كفر عقب المحلي سميح أبو رميلة.
وأوضح أبو رميلة أن سبب وصول كفر عقب لهذه الجريمة هو نتاج عدم قيام سلطات الاحتلال بالدور المطلوب منها، وقال إن البلدة تعاني من فوضى انتشار السلاح، وأن 80 ألف مقدسي يعيشون فيها يدفعون الثمن من دمهم وأعصابهم، كما يدفعون الضرائب لبلدية الاحتلال في القدس.
وتعيش كفر عقب اكتظاظا عمرانيا وسكانيا شديدا نتيجة سياسات الاحتلال ضد الديمغرافية المقدسية، والتي تسببت في تهجير قسري لعشرات آلاف العائلات من داخل القدس المحتلة إلى كفر عقب وغيرها من قرى وضواحي القدس، التي تقع ضمن الحدود الإدارية لبلدية الاحتلال.
محافظ القدس عدنان غيث، حمل، من جانبه، سلطات الاحتلال مسؤولية ما حدث، بمنع أجهزة الأمن الفلسطينية من فرض النظام والقانون في ضواحي العاصمة.
وقال لـ”وفا”: إن إهمال الاحتلال للجرائم التي تحدث، يندرج في إطار سعيه للانقضاض على شعبنا وثوابته، وهو ما يجب أن يواجه بالحفاظ على السلم الأهلي، ومنع تدمير القيم والمفاهيم الأخلاقية والدينية للمجتمع، كما أن المسؤولية تقع أيضا على الجميع، سواء العائلة أو العشيرة وعلى كل قطاعات شعبنا التي يجب أن تساهم بصورة أو بأخرى لوضع حد للفلتان في ظل الواقع الصعب الذي فرضه الاحتلال.
وكان الرئيس محمود عباس أصدر في الأول من أيلول/سبتمبر 2020 قرارا يتم بموجبه تعظيم العقوبة المفروضة على حيازة السلاح غير المرخص أو استعماله أو تصنيعه أو تهريبه، بفرض غرامات مالية والسجن لمن يثبت تورطه في هذه الجرائم.
من جانبه، تحدث أمين سر حركة فتح في القدس شادي مطور، عن عرقلة واعاقة الاحتلال لرجال العشائر والقوى الوطنية والاسلامية، بالاعتقال والمطاردة لمنعهم من القيام بدورهم الطبيعي في نشر السلم الاجتماعي.
وأضاف أن الاحتلال رغم كل الجرائم يتعمد تأخير دخول أجهزة الأمن الفلسطينية لفض الشجارات وضبط السيطرة في هذه المناطق، كما يمنعها من مطاردة تجار السلاح والمخدرات داخل القدس، بل يوفر لهؤلاء التجار وللقتلة غطاء بشكل غير مباشر.
وبحسب آخر الاحصائيات، راح ضحية جرائم القتل في الضفة الغربية بما فيها القدس قرابة 50 مواطنا خلال العام المنصرم، ونتجت أغلب الجرائم عن استخدام الأسلحة النارية.
من جانبه، قال رئيس مركز القدس للمساعدة القانونية والاجتماعية زياد الحموري، إن ما يجري في كل أرجاء الوطن وتحديدا في مدينة القدس وداخل أراضي الـ48، يتم بتشجيع من الاحتلال وتغذية من أذرعه، فهناك فلتان حقيقي في الأحياء المقدسية نتيجة إهمال الاحتلال، وأن الخوف من أن تتوسع هذه الجرائم بشكل أكبر في حال عدم الوقوف بجدية في مواجهته، والتصدي لقانون الغاب وأخذه باليد.
من ناحيته، قال نائب محافظ القدس عبد الله صيام لـ”وفا”: إن أجهزة السلطة الوطنية تبذل كل ما هو ممكن لحماية المواطنين والنسيج الاجتماعي الذي يحمي القدس وفلسطين، وأن الخسائر والجرائم التي وقعت في كفر عقب، هي جراء فوضى السلاح التي تجتاح البلدة على مرأى من سلطات الاحتلال التي تغذيها وتدعمها.
وقال إن الفلتان الأمني وسلاح الفوضى هي مسألة مرتبطة بعدم السيادة، وأن الاحتلال يتحمل المسؤولية الكاملة عما يحدث في كفر عقب وكافة الأحياء المقدسية، وعليه إتاحة المجال لقوى الأمن الفلسطيني لتقوم بدورها في حماية السلم الأهلي، ومحاربة كل مظاهر الفوضى والفلتان، والقضاء على ظاهرة السلاح غير الشرعي.
وفي هذا السياق يقول خبير القانون الدولي حنا عيسى، لـ”وفا”، الاحتلال يتحمل مسؤولية حماية السكان المدنيين واملاكهم استنادا لاتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949، وبالتالي إسرائيل كدولة احتلال مسؤولة عن كل شخص يتواجد في كفر عقب بحكم احتلالها للمكان، وكل ضحية تقع في المكان بسبب اهمال الاحتلال يجب أن يحاسب عليها. وأوضح أن السلطة القائمة بالاحتلال في القدس عليها توفير جميع خدمات الحياة المطلوبة، سواء خدمات الصحة أو التعليم أو العمل أو الإغاثة.