“النفق العثماني” معلمٌ أثري تاريخي يعود إلى عهد السلطان عبد الحميد الثاني، يروي حكاية آخر معالم “سكة حديد الحجاز”

أحجارٌ ترتبت بعناية فائقة وانتظام دقيق لتشكل بتناسقها وجمالها مدخل ذلك النفق العثماني العتيق، الذي تفوح منه أصالة الماضي وعبق التاريخ، ليوثق لنا جهد من سال عرقهم وبذلوا جهدهم لينجزوا ذلك العمل العظيم وليتركوه لنا نُبدع في وصفه ونجتهد في ذكر مغانيه.

صورة للنفق العثماني من الخارج

هذا النفق التركي يبلغ طوله حوالي 300م تشق بطن أحد الجبال التابعة لبلدة بلعا الواقعة على بعد 10 كم من مدينة طولكرم ويتخلله سكة حديدية الأولى من نوعها في فلسطين آنذاك.

يتوسط “الخرق” مدن نابلس وجنين وطولكرم شمال الضفة الغربية، وسمي بـ”الخرق” لأنه يخترق الجبل على شكل نفق، أبدعه ألاف العمال الذين لم يملكوا إلا أدوات بدائية لا تتجاوز ببساطتها الفأس والمعول.

كما أن النفق مقام على أنقاض خربة أثرية رومانية يطلق عليها اسم “راشين”

فكرة إنشاء خط سكة حديدية تصل ما بين “استانبول” والحجاز تبلورت في عهد السلطان عبد الحميد الثاني، بمشورة من أحد وزرائه ويدعى عزت عابد، لتسهيل الطريق على الحجاج القادمين من تركيا وبلاد الشام باتجاه مكة المكرمة، بحيث يأمنوا اعتداءات البدو وغاراتهم على الحجاج وقوافلهم، ويختصروا المدة الزمنية اللازمة لرحلة الحج.

ليس هذا السبب وحسب، فالعارفون بالتاريخ يكشفون عن غاية أخرى للسكة –التي استمر العمل بها أكثر من ثماني سنوات متتالية (1900-1908م)- غير معلن عنها تتمثل في إرسال الذخائر والتعزيزات للجيش التركي، حال قيام أي ثورة ضد “الباب العالي”.

‪صورة قديمة للقطار العثماني وهو يمر من “الخرق”

بنيان مرصوص

من يدخل في “خرق بلعا” – كما يطلق عليه السكان المحليون- يستشعر درجة الإتقان التي بُنيت بها كل من وسعاته وكواته وأقواسه، إذ شارك في تصميمه وتنفيذه عدد من المهندسين الألمان نظرًا للعلاقة الوثيقة التي كانت تربط بين العثمانيين والدولة الألمانية وقتها، فامتزجت أصالة الشرق وسحره بالخبرة والمهارة الغربية.

صورة لمدخل النفق العثماني

أستاذ التاريخ نعمان شحرور يصف النفق بقوله: “إنه تحفة معمارية رائعة تعبر عن مدى الإرادة القوية التي كان يملكها أجدادنا، وعلى مدى حرصهم تذليل كافة العقبات والصعوبات التي كانت تقع في وجه النهوض بالبلاد وصحوتها”.

هذا هو تراث فلسطين، وهذا ما تركه لنا أجدادنا .. فيجدر بنا أن نفخر به ونعمل على صيانته؛ ليفخر به ابناؤنا من بعدنا ويبقى شوكة في حلق الأعداء وكل من يتربص في هذه الأرض.

صورة للنفق العثماني من الداخل